في الوقت الذي قد يستغرق في البعض في التفكير الزائد حول مواقف معيّنة تواجههم في حياتهم لمدّة من الزمن، نجد أنّ هنالك عددًا من الأشخاص يعانون من تدفّقات دائمة ومستمرّة للأفكار في عقولهم. فأصحاب التفكير الزائد المزمن غالبًا ما يستعيدون في رؤوسهم الحوارات والأحاديث التي قاموا بإجرائها بالأمس، أو يشكّكون بكلّ قرار يتخذونه، أو يتخيّلون مخرجات كارثية لكلّ شيء، طوال اليوم، وكلّ يوم!
التفكير الزائد لا ينطوي على الكلمات وحسب، فالمفرطون في التفكير يستحضرون في عقولهم صورًا كارثية أيضًا من محض مخيّلتهم. حيث يمكنك أن تشبّه عقلهم بفيلم سينمائي تهوي فيه سيّارتهم مثلاً من على جرف أو يستمرّون فيه بالتفكير في أحداث سيئة مرّوا بها مرارًا وتكرارً.
الافراط في التفكير وأنماط التفكير المدمرة
ينطوي الإفراط في التفكير أو عادة على نمطين أساسيين من التفكير المدمّر هما التحسّر، والقلق المستمرّ.
التحسّر عادة على التفكير المستمرّ بالماضي
- ما كان يجدر بي قول تلك الأشياء خلال الاجتماع بالأمس.
- لا شكّ أنّ الجميع يعتقد أنّي أحمق.
القلق المستمرّ
فهو ينطوي في الغالب على أفكار وتنبؤات سلبية (وأحيانًا كارثية) حول المستقبل. فنجدُ أفكارًا مثل:
- أعلم أنّي سأُحرج نفسي في الغد حينما أقدّم ذلك العرض.
- سأنسى كلّ شيء يتعيّن عليّ قوله.
أضرار التفكير الزائد
يمكن لدوّامة التفكير الزائد أن تؤثر سلبًا، ليس فقط على صحتّك الذهنية، ولكن أيضًا على صحّتك الجسدية والعاطفية. فالحزن والاكتئاب، ليست النواتج الوحيدة لعملية التفكير الزائد، إذ أنّ له أضرارًا أخرى عديدة تطالُ جميع نواحي حياتك. فيما يلي بعض هذه الأضرار:
تفكير أكثر يعني حياة أقصر
بحسب دراسة أجريت في كليّة هارفارد الطبية على مجموعة من الأشخاص ممّن تتراوح أعمارهم بين 60 و70 سنة وبين المعمّرين الذين تزيد أعمارهم عن مئة سنة، تبيّن أنّ أولئك الذين توفوا في أعمار أصغر يمتلكون نسبة أقلّ من البروتين التي تهدّئ الدماغ. التفكير الزائد يرهق عقلك، ويؤدّي بالتالي إلى استنزاف هذا البروتين وتقليل نسبته في الدماغ. ذلك لا يعني أنّك ستموت في سنّ الثلاثين إن كنت من أصحاب التفكير المفرط، لكنه سيؤثر بلا شكّ تأثيرًا سلبيًا على دماغك ويؤدي إلى مشاكل وأمراض كالخرف والزهايمر وغيرها من الأمراض العقلية، التي وبحسب الدراسة السابقة تؤثّر على مدّة الحياة وتسبّب الوفاة في عمر أصغر
ساعات نوم أقل وأسوأ
قد لا تستطيع أحيانًا السيطرة على مشاعر القلق والتفكير التي تنتابك في ساعات متأخرة من الليل. وهو ما يجعل جسمك يخرج من حالة الراحة والاسترخاء ليصبح أكثر تيقّظًا. ماذا يعني ذلك؟ أجل، بالضبط…ذلك يعني ساعات نومٍ أقلّ بل ونوعية نومٍ أسوأ، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى الشعور الدائم بالإرهاق والإجهاد.
زيادة فرص الإصابة بالأمراض العقلية
من أهمّ أضرار التفكير ، زيادة خطر الإصابة بالأمراض والمشاكل العقلية مثل القلق المزمن، الاكتئاب، اضطراب ما بعد الصدمة أو اضطراب الشخصية الحدية. باختصار، التفكير الزائد يؤدي إلى الإصابة بالعديد من المشاكل والاضطرابات العقلية التي تؤدي بدورها إلى مزيد من التفكير الزائد لتجد نفسك في حلقة مفرغة لا مفرّ منها.
اضطرابات الشهية
إن كنت تبالغ في التفكير، فقد تجد نفسك غير راغب في تناول الطعام، أو في الحالات الأكثر شيوعًا، قد تبالغ في الأكل في محاولة لتخفيف التوتر والتفكير. هذه الاضطرابات والتذبذبات في الشهية تؤدي في كثير من الأحيان إلى العديد من المشاكل الصحية الجسدية. اقرأ أيضًا: كيف أتخلص من الإحباط و السلبية
تراجع الإبداعية والابتكار
بعكس ما قد تعتقده من أنّ التفكير الزائد سيساعدك على إيجاد حلول أكثر لمشاكلك، فإنّه في الواقع يقلّل من قدراتك الإبداعية، ويجعل من عملية البحث عن حلول تحديًّا صعبًا، بل وحتى الابتكار والخروج بأفكار جديدة في عملك سيغدو أصعب.
التأثير سلبا على المهارات الاجتماعية
حينما نقضي وقتًا طويلاً في تحليل ما قد يفكّر به الآخرون حولنا، عادة ما يخلق ذلك شعورًا بالخوف والانعزال عن المواقف الاجتماعية. تخيّل فقط عدد المرات التي تخيّلت فيها أنّ أحدهم لا يستلطفك أو لن يستلطفك، ونتيجة لذلك لم تبادر بالتحدّث إليه. لعلّك أضعت الكثير من الفرص للتعرّف على أصدقاء جدد أو لتوسيع دائرة علاقاتك بسبب تفكيرك الزائد. غالبًا ما يكون التفكير الزائد هو السبب وراء تصرّفاتك ومشاعرك هذه، وليس الأشخاص من حولك
كيف أتخلص من التفكير الزائد؟ وما هو علاج التفكير الزائد والوسواس؟
إن كنت ممن يبالغون في التفكير، فأنت على الأرجح تدرك ذلك، وربما السبب في أنّك تقرأ هذا المقال الآن هو رغبتك في معرفة كيفية التغلب على التفكير الزائد الذي تعاني منه. . وفيما يلي بعض الطرق الفعّالة للحدّ من التفكير المفرط أو التخلّص منه نهائيًا.
انتبه الى نفسك عندما تكون عالقا في افكارك
يمكن للتفكير الزائد أن يتحوّل إلى عادة راسخة ومتأصّلة فيك لدرجة أنّك لن تنتبه لنفسك عند القيام بها. لذا فالخطوة الأولى هي بأن تنتبه أكثر لطريقة تفكيرك حتى تصبح أكثر وعيًا بهذه المشكلة.
عندما تجد نفسك قد بدأت بالتفكير في الأحداث في رأسك مرارًا وتكرارًا، أو أنّك تقلق كثيرًا بشأن الأمور التي لا تستطيع التحكّم فيها، اعترف بأن نمط التفكير هذا غيرُ مُجدٍ. تذكّر دومًا أن التفكير سيساعدك فقط في حالة واحدة، ألا وهي أنّه يقودك لاتخاذ قرارات والقيام بإجراءات إيجابية
انظر وانتبه لطريقة استجابتك لأفكارك
طريقة استجابتك لأفكارك قد تجعلك غارقًا في بعض الأحيان في حلقة مفرغة من القلق أو التحسّر المتكرّر. لذا، وحينما تجد نفسك قد دخلت في دوامة التفكير الزائد، انتبه إلى تأثير هذا التفكير على مشاعرك ومزاجك. هل تشعر بالتوتر؟ القلق أم بتأنيب الضمير؟ وما هو الشعور الأساسي الذي يغذّي أفكارك هذه؟ تذكّر دومًا أنّ الوعي بذاتك هو خطوتك الأولى لتغيير تفكيرك.
اصرف انتباهك عن التفكير الزائد
بمعنى آخر، قم بإيقاف تفكيرك الزائد من خلال إشغال نفسك بنشاطات تستمتع بها. تختلف هذه النشاطات من شخص لآخر، لكن يمكنك الاستفادة من الأفكار التالية:
- التسجيل في حصص رياضية.
- ممارسة هواية جديدة كالرسم مثلاً.
- التطوّع مع بعض المؤسسات المحلية القريبة منك
خذ نفسا عميقا
لا شكّ أنّك قد سمعت هذه النصيحة ملايين المرات من قبل. هل تعلم لماذا؟! لأنها بكلّ بساطة فعّالة وتأتي بنتائج حقيقية… في المرة المقبلة التي تجد فيها نفسك غارقًا في بحر أفكارك المتلاطمة أمواجه، أغمض عينيك وخذ نفسًا عميقًا يساعدك على الاسترخاء. إليك تمرين تنفّس بسيط، يمكن البدء به:
- اعثر على مكان هادئ واجلس فيه مع الحرص على إرخاء رقبتك وكتفيك.
- ضع إحدى يديك على قلبك واليد الأخرى فوق المعدة.
- خذ نفسًا عميقًا من الأنف ثم أخرجه ببطء مع التركيز على حركة الصدر والبطن أثناء عملية التنفس.
- كرّر هذا التمرين ثلاث مرات يوميًا لمدّة خمس دقائق، أو كلّما أتيحت لك الفرصة لذلك.
عليك بتمارين التأمل
الالتزام المنتظم بتمارين التأمل قد أثبت فعاليته علميًا في تصفية الذهن والقضاء على فوضى الأفكار في داخلك، من خلال تركيز انتباهك على أعماقك. الفيديو التالي سيساعدك على البدء بالتأمل، فهو يتضمّن تمارين بسيطة يمكن لأيّ شخص القيام بها، ولن تحتاج منك إلى الكثير من الوقت أو الجهد للقيام بها
انظر الى الصورة الكبرى
اسأل نفسك في كلّ مرّة تجد فيها نفسك غارقًا في التفكير في قضيّة ما: “ما تأثير هذه المشكلة أو القضية على حياتي بعد 5 أو 10 سنوات؟” هل سيهتمّ أحدٌ حقًا إلى أنّك قد نسيت ما عليك قوله خلال العرض التقديمي؟ أو أنّك ارتكبت خطئًا ما أثناء الاجتماع؟ على الأرجح فذلك لن يحدث…إذن لماذا تجعل من الحبّة قبّة؟ وتغرق نفسك في بحر من الأفكار التي لن يكون لها أيّ تأثير بعد بعض الوقت
تعرف على أنماط التفكير السلبي التي تعاني منها وحاول تغييرها
وحاول تغييرها تشير أنماط التفكير السلبي إلى كلّ الأفكار المبنية على مشاعر الخوف أو الغضب والتي تأتي كردّ فعل على حدث ما يمرّ به المرء في حياته. من المهمّ للغاية تتبّع هذه الأفكار ومعالجتها قبل أن تستحوذ عليك تمامًا وتغرقك في دوّامة التفكير الزائد المبالغ فيه. احرص إذن على الاحتفاظ بسجلّ لهذه الأفكار والعمل على تغييرها، من خلال اتباع الخطوات التالية:
- استخدم دفترًا لتتبّع الموقف الذي يسبّب لك القلق، أو يؤثّر سلبًا على مزاجك، واكتب الأفكار الأولى التي تنتابك دائمًا بصورة تلقائية.
- تعمّق في التعرّف على تفاصيل هذه الأفكار، وقيّم الموقف الذي يسبّب لك هذه الأفكار السلبية.
- قسّم المشاعر التي تحسّ بها وحدّد ما تقوله لنفسك عن الموقف الذي تمرّ به.
- اعثر على بديل للأفكار الأولية (التلقائية) التي تدور في رأسك. على سبيل المثال،
اعترف بنجاحاتك
عندما تجد نفسك غارقًا في التفكير الزائد، أخرج ورقة وقلمًا أو افتح تطبيق كتابة الملاحظات المفضّل لديك على هاتفك المحمول، واكتب على الفور خمسة أشياء أنجزتها خلال الأسبوع الماضي على أتمّ وجه. ليس بالضرورة أن تكون هذه الإنجازات عظيمة، فأمور مثل تنظيف سيارتك، أو إعادة ترتيب أدراج مكتبك، أو حتى الالتزام بميزانيتك الأسبوعية سيكون لها أثر كبير على نفسيتك وأفكارك. عندما تنظر إلى كلّ هذه الإنجازات البسيطة مجتمعة سترى مدى أهميّة الإنجازات الصغيرة وتأثيرها الإيجابي.
ركز على اللحظة الراهنة
صحيح أنّ التأمل يقودك دومًا إلى التركيز على اللحظة الراهنة لكنه ليس الوسيلة الوحيدة لذلك. إذ يوجد العديد من الممارسات الحياتية الاعتيادية الأخرى التي تساعدك للتركيز على الآن. إليك بعضًا منها:
- قم بإطفاء هاتفك أو حاسوبك لفترة زمنية محدّدة وركّز خلالها على القيام بنشاط واحد فقط دون انقطاع.
- كن أكثر وعيًا عند تناول الطعام، وذلك من خلال الحرص على الاستمتاع بكلّ لقمة والتركيز في المذاق ورائحة وملمس كلّ مكوّن من مكوّنات الطبق الذي تتناوله.
- قم بنزهة في الخارج حتى وإن كانت قصيرة، وركّز خلالها على ملاحظة كلّ ما حولك.
- انتبه للروائح التي تشتمّها والأصوات التي تسمعها وكلّ المناظر التي تراها أمامك
قم بخطوات عملية للتغلب على التفكير
قد يكون تفكيرك الزائد في بعض الأحيان نتيجة لعدم قيامك بأيّ خطوات حقيقية عملية لتغيير الأمور من حولك. هل تستمرّ في التفكير بشخص ما تتمنّى لو كنت مثله؟ بدلاً من إفساد يومك بأفكار مثل: “لن أكون مثله أبدًا”، أو “لن أحقق نجاحًا كنجاحِه إطلاقًا…” أو ما شابهها من أفكار، ابدأ على الفور بكتابة خطوات حقيقية وعملية تساعدك على الوصول إلى أهدافك. فهذا سيُبعدك عن التفكير العقيم
كن أكثر تعاطفا مع نفسك
الاستمرار في التفكير بالماضي يحول بينك وبين المُضيّ قدمًا في حياتك. لذا إن كنت تؤنّب نفسك دومًا على أخطاء ارتكبتها في الماضي القريب أو البعيد، حاول أن تكون أكثر تقبّلاً لذاتك وأكثر تعاطفًا معها.
لا تخجل من طلب العون
يحدث أحيانًا أن تجد نفسك غير قادرٍ على السيطرة على أفكارك بمفردك. وتفشل كلّ الطرق السابقة في جعلك تتوقّف عن تكرار تلك السيناريوهات السلبية في عقلك. لا تتردّد حينها في طلب العون من أصحاب الخبرة والاختصاص، حيث أنّ اللجوء إلى معالج نفسي أو مرشد مختصّ سيساعدك حتمًا،
نظرًا لأنه سيمدّك بالأدوات والاستراتيجيات الفعّالة لتغييرِ نمط تفكيرك. . فهل أنت من هؤلاء الأشخاص؟ هل تشعر بأنّ التفكير الزائد يؤثّر عليك بأيّ من الطرق السابقة الموضّحة أعلاه؟ وإن كنت كذلك، فما هي الخطوات التي تعتقد أنّ عليك البدء بها من أجل حلّ هذه المشكلة؟ شاركنا رأيك من خلال التعليقات
مشاركات مميزة
- راحة البال نعمة, ماهي أقوال وحكم عن راحة البال
- اسرار العقل الإيجابي وتطوير الذات
- كيف تحصل على الحياة الصحية
الحياة هي لعبة فكرية، وكلما فكرت بطريقة أفضل كلما حققت نتائج أعظم